كي ال نفقد االتجاه
حمد سعدات العالم اليوم تداعيات المرحلة االنتقالية نحو بناء نظام دولي جديد متعدد يشهد األقطاب، وفي هذا اإلطار تواصل هيئة أركان النظام القديم التجديف عكس اتجاه حركة التاريخ لوقف عملية التغيير الجارية، والحفاظ على هيمنتها الشاملة على العالم التي بدأت تتآكل منذ عقدين، مع صعود روسيا والصين اللتين أعدتا مؤسساتهما الحاملة ّ لعملية التغيير، واستمرار الحرب األوكرانية - الروسية التي أسست لها وغذتها أميركا والدول الرأسمالية الغربية التي وظفت مصادر قوتها لدعم النظام األوكراني، مع أن ممكنات حل هذه األزمة كانت متوفرة لو تم تطبيق اتفاق مينسك. كما رفعت أميركا وحلفاؤها درجة توتر الصراع بين الصين وتايوان، وبينها وبين دول المحيط الهادىء وبحر الصين الجنوبي، األمر الذي وضع المجتمع الدولي على حافة الحرب َ َكس المناخ الدولي ً لألمن واالستقرار والسالم العالمي. وع الكونية الساخنة، وشكل تهديدا الجديد تبعية دول االتحاد األوروبي للسياسة األميركية، إذ أجبرتها هذه األخيرة على ّ مقاطعة الغاز والنفط الروسيين، وفجرت أنبوب السيل الشمالي الذي يزودها بحاجاتها من ً الغاز الروسي، وفرضت عليها استيراد الغاز األميركي بأسعار أكثر تكلفة وأقل جودة قياسا بالغاز الروسي، األمر الذي أدى إلى تردي األوضاع االقتصادية األوروبية وارتفاع معدالت التضخم إلى مستوى غير مسبوق، وهو ما اضطرها إلى رفع نسبة الفائدة المصرفية عدة ّ مرات، كما أدى إلى ارتفاع األسعار، وولد انفجارات احتجاجية شعبية في شوارعها، ً وخصوصا في فرنسا وألمانيا، وتسبب بتراجع قوة أحزاب السلطة وهبوط حصادها في االنتخابات العامة. وفي المقابل، فإن روسيا والصين تواصالن توسيع نفوذهما وتأثيرهما في عدة مناطق من العالم: ففي الشرق األوسط تعززت العالقات الروسية - الصينية - التركية - اإليرانية - السعودية - الخليجية، وتوسعت مجاالت تعاونها االقتصادي والسياسي، األمر الذي أسس إلنجاح المبادرة الصينية في تطبيع العالقة بين إيران والسعودية من جهة، ومع عدد من دول ُ الخليج من جهة أخرى، وتخفيف حدة الصراع بين تركيا وسورية بشأن األزمة السورية، بعد تحسن العالقات السورية - ً وتوسيع فرص الحل السياسي في احتوائها، وخصوصا ّ السعودية ومع عدد من الدول الخليجية، والـتأسيس لعودة سورية إلى مؤسسات العمل العربي ّاء الحصار العربي الرسمي الجامعة، وتخفيف معاناة الشعب اللبناني الشقيق الذي يعاني جر والدولي واالنقسام الداخلي وأشكال االبتزاز السياسي كافة. وفي إطار ذلك حل أزمة النظام السياسي العراقي، علما ً بأن االتجاه الصحيح لحل هاتين األزمتين، وخصوصا اللبنانية ً من دون تجاوز القيد الطائفي كأساس لبناء النظام السياسي وتقاسم منهما، سيظل مجزوءا السلطة الذي أسست له فرنسا في عشرينيات القرن الماضي، وتم تأصيله في اتفاق الطائف في سنة .1989 كما نأمل بأن يساعد هذا المناخ السياسي العربي الجديد في تفعيل المؤسسات ً عن التدويل مثلما جرى العربية الجامعة، وتفعيل قدرتها على احتواء األزمات العربية بعيدا َين الليبية واليمنية، وفي وقف التطبيع العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني. في األزمت وفي هذا السياق، فإن نشوء نظام عالمي جديد متعدد األقطاب من شأنه أن يعيد التوازن ُ إلى المجتمع الدولي ومؤسساته األ ً ممية السياسية واالقتصادية، وأن يوفر للدول الفقيرة فرصا أفضل الختيار طريقها المستقل للتنمية والبناء االقتصادي وصيانة استقاللها السياسي، والتحرر من شروط القروض المجحفة التي تفرضها عليها مؤسسات العولمة اإلمبريالية: البنك الدولي؛ صندوق النقد الدولي؛ منظمة التجارة العالمية؛ اتفاقية واشنطن لتسوية النزاعات في ً االتفاقيات الثنائية لالستثمار، والتي أدت إلى إفقارها وإلحاقها سياسيا ً واقتصاديا بالدول األقوى، ونهب فائض القيمة المنتجة وتصديرها إلى أسواق الدول الغنية. وهذا النظام العالمي ً المتعدد األقطاب سيفتح آفاقا ّ جديدة التساع نضال الشعوب والطبقات والفئات المظلومة في العالم، من أجل بناء نظام دولي جديد يرتكز على أساس التكافؤ بين الشعوب، والتوزيع العادل للثروة، ومناهضة جميع أشكال القهر القومي والطبقي، ونبذ أشكال التمييز كلها على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس. وفي هذا المناخ المشبع برياح الحربين الباردة والساخنة تتفاعل األزمتان الفلسطينية والصهيونية، وهما أزمتان متالزمتان تحكمهما عالقة جدلية وثيقة، وعالقة السبب بالنتيجة، وتبادل المواقع بينهما. فاألزمة السياسية الراهنة التي يعيشها الكيان الصهيوني أوسع من أن ُتحصر في الخالف الدائر بين المعارضة والحكومة بشأن ملف اإلصالحات القضائية، وإن كانت هذه المسألة تشكل مظهرها الرئيسي الراهن، فهي أحد تجليات التناقضات الكامنة في جوهر المشروع الصهيوني االستعماري االستيطاني العنصري وكيانه السياسي القائم: التناقض بين االدعاءات التي سوقت الحركة الصهيونية كحركة تحرر قومي وبين مضمونها ووظيفتها االستعمارية؛ التناقض بين شكلها الليبرالي الغربي والعلماني ومضمونها الديني المؤسس على األساطير التوراتية؛ تناقضات هويات المستوطنين اليهود اإلثنية داخل الكيان الصهيوني؛ التناقض الرئيسي مع الشعب الفلسطيني األصالني؛ التناقض الطبقي الذي يحكم عالقة الطبقات في المجتمع الرأسمالي الصهيوني. إن هذه التناقضات في مجملها لم تظهر على السطح في األزمة الراهنة، فهي في حالة كمون، لكنها مرشحة لالنفجار في المستقبل. فالصراع الراهن بشأن ملف اإلصالحات القضائية يتمحور حول هوية الدولة العلمانية كما أرادها مؤسسو المشروع الصهيوني، والهوية الدينية مثلما تريدها األحزاب الدينية وأحزاب الصهيونية الدينية، كما يتمحور في الوقت نفسه حول شكل النظام السياسي "اإلثنوقراطي" والطابع الفاشي االستبدادي، ويحركها الصراع الشخصي بين رموز األحزاب الصهيونية. فاالئتالف الحكومي السابق لم يكن ً متجانسا ّ ، وتوحد حول شعار إقصاء نتنياهو عن الحكم وليس حزب الليكود، ومع ذلك شاركت أحزابه في إقرار قوانين عنصرية فاشية في وقت سابق، كقانون الوالء للدولة، وقانون النكبة، َ َلم، كذلك قرار تقييد التمويل لمؤسسات المجتمع المدني وقانون أساس القومية، وقانون الع التي تقع في مواقفها على يسار األحزاب الصهيونية من حيث نشاطها المناهض لالحتالل وتجاوزاته وجرائمه. وقد تجلت هذه األزمة في االنقسام العمودي داخل المجتمع الصهيوني ووصوله إلى حافة الحرب األهلية بحسب تحذيرات هيرتسوغ رئيس الدولة، وفي هواجس العديد من القيادات والرموز السياسية واألمنية، وانخراط قطاعات مجتمعية واسعة في الفاعليات االحتجاجية من األكاديميين والفنانين والمثقفين ورجال القضاء والقانون ورجال ً األعمال والمؤسسات اإلعالمية، فضال عن العمال والموظفين. ً على االستجابة لقد نجح نتنياهو في تشكيل ائتالفه الحكومي، لكنه وجد نفسه مجبرا ً لجميع مطالب أحزاب االئتالف، المرغوب فيها أو المكره على التحالف معها، وخصوصا حزب ّ الصهيونية الدينية. كما اعتقد أن عودته إلى الحكم ستحص ً نه سياسيا ً وقانونيا للخالص من شبح المحكمة التي قد تطيح بأحالمه ومستقبله السياسي، وربما تقوده إلى السجن، وكذلك تحصين شركائه في االئتالف الحكومي واتفاقاته مع أطراف االئتالف لتقاسم السلطة التي َر سيف اإلصالح القضائي، ذلك بأن الخيارات أمامه ً يمكن الطعن بها قانونيا َ ، ولهذا شه ّ محدودة: إما المقامرة بمستقبله السياسي والحفاظ على قواعد الديمقراطية الشكلية داخل ّ المجتمع االستيطاني، وإما السيطرة على السلطات الثالث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ً وضرب مبدأ استقاللية السلطات، وخصوصا سلطة القضاء. ولتحقيق ذلك أدرج مجموعة من ّ المشاريع لتعديل القوانين األساسية، وأهمها "قانون التغلب" الذي يمنع المحكمة العليا من نقض القوانين األساسية التي يجري إقرارها باألغلبية البسيطة "60 + 1 عضو"، وتعديل قانون تشكيل المحكمة العليا ولجنة اختيار القضاة، بضمان أغلبية وازنة لالئتالف الحكومي، ّ بما يمكنه من فرض سيطرة ائتالفه المطلقة على القضاء. فسلوك نتنياهو، على غرار زعامات األحزاب الصهيونية، ال تحكمه المبادىء، وذلك بحسب المثل العبري الشائع: "إين تربوت، ييش ٍ كيسوت" أي "ال يوجد مبادىء، يوجد كراس"، فكل ما هو نافع له صحيح، والغاية تبرر الوسيلة. ٍ وقد مضى نتنياهو بإقرار التشريعات غير آبه لصوت الشارع ولتوسع رقعة االحتجاجات ُ وتعاظم أعـداد المشاركيـن في فاعليـاتـهـا، حـتـى أجبر على الرضوخ لمطالب الشارع بعد الدعوة العلنية لوزير الحرب يؤاف غاالنت ومعه ثالثة وزراء من الليكود، إلى تعليق التصويت على مشاريع القرارات واالحتكام إلى الحوار مع المعارضة، وعقب تزايد االنتقادات الدولية من ً طرف المجتمع الدولي، وخصوصا اإلدارة األميركية التي طالبته باالستجابة لصوت الشارع ووقف التشريعات. وأرفق نتنياهو موافقته على ذلك بإقالة غاالنت ورشوة الوزير اإلرهابي بن غفير بتأسيس جهاز الحرس الوطني في مقابل عدم استقالته من الحكومة، أي مأسسة منظمات المستوطنين اإلرهابية في ميليشيا شرعية بإمرة وقيادة بن غفير المباشرة. أغلبية هذه التفاعالت كانت إسقاطاتها السلبية حادة على شعبية نتنياهو وحزب الليكود وائتالفه الحكومي بصورة عامة، فبحسب مؤشرات استطالعات الرأي بشأن الشخص األكثر مالءمة لرئاسة الحكومة، حصل نتنياهو على نسبة %37 في مقابل %46 لزعيم المعسكر َين للرأي على القومي ووزير الحرب السابق بني غانتس، كما حصل حزب الليكود في استطالع ً في االنتخابات األخيرة، في مقابل ارتفاع مقاعد المعسكر ً من أصل 32 مقعدا 20 مقعدا ً إلى 46 ،ً وهبطت مقاعد االئتالف الحكومي من 64 مقعدا ً إلى 27 مقعدا القومي من 13 مقعدا .ً وفي ،ً يقابله ارتفاع عدد مقاعد المعارضة بما فيها األحزاب العربية إلى 74 مقعدا مقعدا ً للمعارضة. ويعزى ً في مقابل 69 مقعدا استطالع آخر حصل االئتالف الحكومي على 51 مقعدا ً ارتفاع قوة االئتالف الطفيف هذا قياسا باالستطالع السابق، إلى إلغاء نتنياهو قرار إقالة غاالنت. صحيح أن استطالعات الرأي تتأرجح نتائجها بحسب تغير الظروف، إّل إنها مع ذلك غير مريحة لالئتالف الحكومي، عالوة على أن ارتفاع عدد مقاعد المعسكر القومي ونسبة ترشيح غانتس لمنصب رئيس الحكومة يشير إلى إعادة االعتبار إلى حكم الجنراالت والجيش. َرشح ّا ي ً هذه النتائج التي ظللت مناخ الحوار الجاري بين المعارضة والحكومة، فضال عم من أخبار بشأن المواقف من القضايا المختلف عليها، أديا حتى اآلن إلى إغالق الباب أمام أي اتفاق على حل وسط يرضي الطرفين. وعليه، فإن األزمة الراهنة داخل الكيان الصهيوني مرشحة لالستمرار والتفاقم، إّل إذا استطاع نتنياهو االتفاق مع بني غانتس على تشكيل ائتالف حكومي بديل يحرره من الشراكة مع أحزاب الصهيونية الدينية. غير أن نسبة نجاح هذا االحتمال تظل ضعيفة، فغانتس الذي تألق نجمه في استطالعات الرأي ال تشجعه هذه الشراكة على المقامرة بمستقبله السياسي، أو القيام بمغامرة عسكرية واسعة إلخماد التناقضات وتوجيه األنظار إلى التناقض الخارجي، ذلك بأن األنظار ستبقى مصوبة إلى غرف الحوار في انتظار تصاعد الدخان األبيض أو األسود. وعليه، فإن ما يحدث داخل الكيان الصهيوني من تحول نحو تعزيز الفاشية هو نتيجة منطقية الزمت تجارب االستعمار االستيطاني كلها، وهذه الحقيقة تعزز صدقية الراوية التاريخية الفلسطينية العربية بشأن جذور الصراع. فالحكومة الحالية هي الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، كما أن األساطير التوراتية عن األحداث التاريخية شرعت تتهاوى أمام معاول علماء اآلثار، فجزء كبير منهم يهود وأوروبيون قدموا إلى فلسطين إلثبات تاريخية األحداث التوراتية، وخرجوا بنتائج معاكسة. وهذه الحقائق كلها ً جرى توظيفها في زيادة عزلة االحتالل الدولية، وصوال إلى نزع الشرعية عن كيانه البغيض، واالستثمار في مجرى تناقضات المجتمع الصهيوني، وتوثيق العالقات مع القوى اليهودية الديمقراطية المعادية للصهيونية ومشروعها االستعماري االستيطاني العنصري، مهما يكن وزنها وثقل تأثيرها الراهن. إن معطيات الحراك الدولي الراهن، وتفاعالت األزمة داخل الكيان الصهيوني، واستمرار ّ ًا الحرب المفتوحة على شعبنا من طرف االحتالل، واتساع مقاومة شعبنا وتصاعدها كم ً ونوعا ُ ، أمور كلها تملي على قوى شعبنا السياسية واالجتماعية امتالك اإلرادة السياسية، ومضاعفة جهودها إلنجاز المصالحة وإنهاء االنقسام الذي يظلل الوضع الفلسطيني الراهن، ّ ويهدد مستقبل قضيتنا الوطنية. فعلى هذه القوى الخروج من دائرة المراوحة، وشق الطريق الستنهاض نضال شعبنا ووضعه على الطريق التي تقود إلى تحقيق أهدافه الوطنية والتاريخية، وتعريف مشروعنا الوطني بالعودة إلى جذور الصراع التاريخية كمشروع قومي وطني تحرري ضد المشروع االستعماري الصهيوني االستيطاني العنصري، وإعادة االعتبار ً إلى استراتيجيا التحرر بديال من المراهنة غير الواقعية على أوهام التسوية التي تم اختبارها خالل 30 ً عاما من انطالق مسار مدريد - أوسلو، وأنتجت الوضع المأزوم الذي تعيشه القضية ً الوطنية. وعلى هذه القوى أيضا االتفاق على استراتيجيا وطنية نضالية موحدة ترتكز على المقاومة وإنجازات نضال شعبنا في محطاته المتعاقبة، وعلى قرارات المجلس المركزي في ُقد في نيسان / دوراته المتعاقبة منذ نيسان / أبريل ،2015 وقرارات المجلس الوطني الذي ع أبريل ،2018 والتي دعت إلى فك االرتباط مع االحتالل والتحلل من التزامات اتفاق أوسلو السياسية واألمنية واالقتصادية، وسحب االعتراف بالكيان الصهيوني، والتي تم تأكيدها في ّ مخرجات اجتماع األمناء العامين في بداية سنة ،2021 وإعادة بناء البيت الفلسطيني الداخلي على أسس وطنية ديمقراطية، وتفعيل أدواته القيادية الوطنية الجامعة وفي مقدمها منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بإعادة االعتبار إلى مكانتها ككيان سياسي جامع لوحدة شعبنا وأهدافه الوطنية، وكمرجعية سياسية عليا لنضال شعبنا وجميع قواه السياسية والمجتمعية، وممثل شرعي ووحيد لشعبنا في أماكن وجوده كافة. فمهمة إنجاز المصالحة وإنهاء االنقسام ّ ال تحتاج إلى جوالت حوار جديدة تعيد إنتاج أنماط إدارة االنقسام وليس حله، بل إلى تطبيق ً من آذار / مارس 2005 ً ، وصوال إلى مخرجات ّقعت إلنجاز المصالحة بدءا ُ االتفاقات التي و ّ اجتماع األمناء العامين في سنة 2021 ّ ، والمسار الديمقراطي الذي نصت عليه المراسيم الرئاسية والجداول الزمنية إلنجاز االنتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، والتي أعيد تأكيدها في اتفاق الجزائر األخير للمصالحة الوطنية. إن التلكؤ في إنجاز هذه المهمة يملي على شعبنا واجب النضال الديمقراطي إللزام أصحاب القرار بالقيام بواجبهم الوطني، وإنجاز الوحدة الوطنية وإعالء المصلحة الوطنية العليا فوق ً المصالح الفردية والفئوية الضيقة، وتعزيز الشراكة السياسية الديمقراطية بديال من المناكفات ومفاهيم ومصطلحات إدارة االنقسام. إن الشعب هو مصدر شرعية أي نظام سياسي أو تنظيم، وذلك عبر صناديق االقتراع أو في ساحات النضال الجماهيري الديمقراطي، فالوقت من دم وال يحتمل المراوحة في المكان، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني هي حجر الزاوية في توفير الحماية العربية والدولية لشعبنا ونضاله الوطني، وهي أساس استعادة أبعاد النضال ُ القومية واألممية ومقاومة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وتوسيع إطار المقاطعة الدولية الشعبية والرسمية لالحتالل وسياساته من أجل نزع شرعية كيانه السياسي. ّل الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة إلى مناسبة وطنية وفي هذا اإلطار علينا أن نحو قومية لتعزيز مكانة الرواية العربية الفلسطينية التاريخية الثقافية والحضارية، ومحطة لتصعيد النضال والمقاومة في جميع محاور االشتباك التاريخي المفتوح مع االحتالل، الميدانية والسياسية والثقافية والقانونية، والدبلوماسية في المحافل الدولية الرسمية والشعبية، وإنجاز وحدتنا الوطنية كأساس ورافعه الستنهاض نضال شعبنا، وتحقيق أهدافه الوطنية والتاريخية. )سجن "رامون"، قسم ،٧ صحراء النقب المحتلة(
أحمد سعدات العالم اليوم تداعيات المرحلة االنتقالية نحو بناء نظام دولي جديد متعدد يشهد األقطاب، وفي هذا اإلطار تواصل هيئة أركان النظام القديم التجديف عكس اتجاه حركة التاريخ لوقف عملية التغيير الجارية، والحفاظ على هيمنتها الشاملة على العالم التي بدأت تتآكل منذ عقدين، مع صعود روسيا والصين اللتين أعدتا مؤسساتهما الحاملة ّ لعملية التغيير، واستمرار الحرب األوكرانية - الروسية التي أسست لها وغذتها أميركا والدول الرأسمالية الغربية التي وظفت مصادر قوتها لدعم النظام األوكراني، مع أن ممكنات حل هذه األزمة كانت متوفرة لو تم تطبيق اتفاق مينسك. كما رفعت أميركا وحلفاؤها درجة توتر الصراع بين الصين وتايوان، وبينها وبين دول المحيط الهادىء وبحر الصين الجنوبي، األمر الذي وضع المجتمع الدولي على حافة الحرب َ َكس المناخ الدولي ً لألمن واالستقرار والسالم العالمي. وع الكونية الساخنة، وشكل تهديدا الجديد تبعية دول االتحاد األوروبي للسياسة األميركية، إذ أجبرتها هذه األخيرة على ّ مقاطعة الغاز والنفط الروسيين، وفجرت أنبوب السيل الشمالي الذي يزودها بحاجاتها من ً الغاز الروسي، وفرضت عليها استيراد الغاز األميركي بأسعار أكثر تكلفة وأقل جودة قياسا بالغاز الروسي، األمر الذي أدى إلى تردي األوضاع االقتصادية األوروبية وارتفاع معدالت التضخم إلى مستوى غير مسبوق، وهو ما اضطرها إلى رفع نسبة الفائدة المصرفية عدة ّ مرات، كما أدى إلى ارتفاع األسعار، وولد انفجارات احتجاجية شعبية في شوارعها، ً وخصوصا في فرنسا وألمانيا، وتسبب بتراجع قوة أحزاب السلطة وهبوط حصادها في االنتخابات العامة. وفي المقابل، فإن روسيا والصين تواصالن توسيع نفوذهما وتأثيرهما في عدة مناطق من العالم: ففي الشرق األوسط تعززت العالقات الروسية - الصينية - التركية - اإليرانية - السعودية - الخليجية، وتوسعت مجاالت تعاونها االقتصادي والسياسي، األمر الذي أسس إلنجاح المبادرة الصينية في تطبيع العالقة بين إيران والسعودية من جهة، ومع عدد من دول ُ الخليج من جهة أخرى، وتخفيف حدة الصراع بين تركيا وسورية بشأن األزمة السورية، بعد تحسن العالقات السورية - ً وتوسيع فرص الحل السياسي في احتوائها، وخصوصا ّ السعودية ومع عدد من الدول الخليجية، والـتأسيس لعودة سورية إلى مؤسسات العمل العربي ّاء الحصار العربي الرسمي الجامعة، وتخفيف معاناة الشعب اللبناني الشقيق الذي يعاني جر والدولي واالنقسام الداخلي وأشكال االبتزاز السياسي كافة. وفي إطار ذلك حل أزمة النظام 008 جملة الدراسات الفلسطينية 135 صيف 2023 ً السياسي العراقي، علما ً بأن االتجاه الصحيح لحل هاتين األزمتين، وخصوصا اللبنانية ً من دون تجاوز القيد الطائفي كأساس لبناء النظام السياسي وتقاسم منهما، سيظل مجزوءا السلطة الذي أسست له فرنسا في عشرينيات القرن الماضي، وتم تأصيله في اتفاق الطائف في سنة .1989 كما نأمل بأن يساعد هذا المناخ السياسي العربي الجديد في تفعيل المؤسسات ً عن التدويل مثلما جرى العربية الجامعة، وتفعيل قدرتها على احتواء األزمات العربية بعيدا َين الليبية واليمنية، وفي وقف التطبيع العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني. في األزمت وفي هذا السياق، فإن نشوء نظام عالمي جديد متعدد األقطاب من شأنه أن يعيد التوازن ُ إلى المجتمع الدولي ومؤسساته األ ً ممية السياسية واالقتصادية، وأن يوفر للدول الفقيرة فرصا أفضل الختيار طريقها المستقل للتنمية والبناء االقتصادي وصيانة استقاللها السياسي، والتحرر من شروط القروض المجحفة التي تفرضها عليها مؤسسات العولمة اإلمبريالية: البنك الدولي؛ صندوق النقد الدولي؛ منظمة التجارة العالمية؛ اتفاقية واشنطن لتسوية النزاعات في ً االتفاقيات الثنائية لالستثمار، والتي أدت إلى إفقارها وإلحاقها سياسيا ً واقتصاديا بالدول األقوى، ونهب فائض القيمة المنتجة وتصديرها إلى أسواق الدول الغنية. وهذا النظام العالمي ً المتعدد األقطاب سيفتح آفاقا ّ جديدة التساع نضال الشعوب والطبقات والفئات المظلومة في العالم، من أجل بناء نظام دولي جديد يرتكز على أساس التكافؤ بين الشعوب، والتوزيع العادل للثروة، ومناهضة جميع أشكال القهر القومي والطبقي، ونبذ أشكال التمييز كلها على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس. وفي هذا المناخ المشبع برياح الحربين الباردة والساخنة تتفاعل األزمتان الفلسطينية والصهيونية، وهما أزمتان متالزمتان تحكمهما عالقة جدلية وثيقة، وعالقة السبب بالنتيجة، وتبادل المواقع بينهما. فاألزمة السياسية الراهنة التي يعيشها الكيان الصهيوني أوسع من أن ُتحصر في الخالف الدائر بين المعارضة والحكومة بشأن ملف اإلصالحات القضائية، وإن كانت هذه المسألة تشكل مظهرها الرئيسي الراهن، فهي أحد تجليات التناقضات الكامنة في جوهر المشروع الصهيوني االستعماري االستيطاني العنصري وكيانه السياسي القائم: التناقض بين االدعاءات التي سوقت الحركة الصهيونية كحركة تحرر قومي وبين مضمونها ووظيفتها االستعمارية؛ التناقض بين شكلها الليبرالي الغربي والعلماني ومضمونها الديني المؤسس على األساطير التوراتية؛ تناقضات هويات المستوطنين اليهود اإلثنية داخل الكيان الصهيوني؛ التناقض الرئيسي مع الشعب الفلسطيني األصالني؛ التناقض الطبقي الذي يحكم عالقة الطبقات في المجتمع الرأسمالي الصهيوني. إن هذه التناقضات في مجملها لم تظهر على السطح في األزمة الراهنة، فهي في حالة كمون، لكنها مرشحة لالنفجار في المستقبل. فالصراع الراهن بشأن ملف اإلصالحات القضائية يتمحور حول هوية الدولة العلمانية كما أرادها مؤسسو المشروع الصهيوني، والهوية الدينية مثلما تريدها األحزاب الدينية وأحزاب الصهيونية الدينية، كما يتمحور في كي ال نفقد االجتاه 009 الوقت نفسه حول شكل النظام السياسي "اإلثنوقراطي" والطابع الفاشي االستبدادي، ويحركها الصراع الشخصي بين رموز األحزاب الصهيونية. فاالئتالف الحكومي السابق لم يكن ً متجانسا ّ ، وتوحد حول شعار إقصاء نتنياهو عن الحكم وليس حزب الليكود، ومع ذلك شاركت أحزابه في إقرار قوانين عنصرية فاشية في وقت سابق، كقانون الوالء للدولة، وقانون النكبة، َ َلم، كذلك قرار تقييد التمويل لمؤسسات المجتمع المدني وقانون أساس القومية، وقانون الع التي تقع في مواقفها على يسار األحزاب الصهيونية من حيث نشاطها المناهض لالحتالل وتجاوزاته وجرائمه. وقد تجلت هذه األزمة في االنقسام العمودي داخل المجتمع الصهيوني ووصوله إلى حافة الحرب األهلية بحسب تحذيرات هيرتسوغ رئيس الدولة، وفي هواجس العديد من القيادات والرموز السياسية واألمنية، وانخراط قطاعات مجتمعية واسعة في الفاعليات االحتجاجية من األكاديميين والفنانين والمثقفين ورجال القضاء والقانون ورجال ً األعمال والمؤسسات اإلعالمية، فضال عن العمال والموظفين. ً على االستجابة لقد نجح نتنياهو في تشكيل ائتالفه الحكومي، لكنه وجد نفسه مجبرا ً لجميع مطالب أحزاب االئتالف، المرغوب فيها أو المكره على التحالف معها، وخصوصا حزب ّ الصهيونية الدينية. كما اعتقد أن عودته إلى الحكم ستحص ً نه سياسيا ً وقانونيا للخالص من شبح المحكمة التي قد تطيح بأحالمه ومستقبله السياسي، وربما تقوده إلى السجن، وكذلك تحصين شركائه في االئتالف الحكومي واتفاقاته مع أطراف االئتالف لتقاسم السلطة التي َر سيف اإلصالح القضائي، ذلك بأن الخيارات أمامه ً يمكن الطعن بها قانونيا َ ، ولهذا شه ّ محدودة: إما المقامرة بمستقبله السياسي والحفاظ على قواعد الديمقراطية الشكلية داخل ّ المجتمع االستيطاني، وإما السيطرة على السلطات الثالث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ً وضرب مبدأ استقاللية السلطات، وخصوصا سلطة القضاء. ولتحقيق ذلك أدرج مجموعة من ّ المشاريع لتعديل القوانين األساسية، وأهمها "قانون التغلب" الذي يمنع المحكمة العليا من نقض القوانين األساسية التي يجري إقرارها باألغلبية البسيطة "60 + 1 عضو"، وتعديل قانون تشكيل المحكمة العليا ولجنة اختيار القضاة، بضمان أغلبية وازنة لالئتالف الحكومي، ّ بما يمكنه من فرض سيطرة ائتالفه المطلقة على القضاء. فسلوك نتنياهو، على غرار زعامات األحزاب الصهيونية، ال تحكمه المبادىء، وذلك بحسب المثل العبري الشائع: "إين تربوت، ييش ٍ كيسوت" أي "ال يوجد مبادىء، يوجد كراس"، فكل ما هو نافع له صحيح، والغاية تبرر الوسيلة. ٍ وقد مضى نتنياهو بإقرار التشريعات غير آبه لصوت الشارع ولتوسع رقعة االحتجاجات ُ وتعاظم أعـداد المشاركيـن في فاعليـاتـهـا، حـتـى أجبر على الرضوخ لمطالب الشارع بعد الدعوة العلنية لوزير الحرب يؤاف غاالنت ومعه ثالثة وزراء من الليكود، إلى تعليق التصويت على مشاريع القرارات واالحتكام إلى الحوار مع المعارضة، وعقب تزايد االنتقادات الدولية من ً طرف المجتمع الدولي، وخصوصا اإلدارة األميركية التي طالبته باالستجابة لصوت الشارع ووقف التشريعات. وأرفق نتنياهو موافقته على ذلك بإقالة غاالنت ورشوة الوزير 010 جملة الدراسات الفلسطينية 135 صيف 2023 اإلرهابي بن غفير بتأسيس جهاز الحرس الوطني في مقابل عدم استقالته من الحكومة، أي مأسسة منظمات المستوطنين اإلرهابية في ميليشيا شرعية بإمرة وقيادة بن غفير المباشرة. أغلبية هذه التفاعالت كانت إسقاطاتها السلبية حادة على شعبية نتنياهو وحزب الليكود وائتالفه الحكومي بصورة عامة، فبحسب مؤشرات استطالعات الرأي بشأن الشخص األكثر مالءمة لرئاسة الحكومة، حصل نتنياهو على نسبة %37 في مقابل %46 لزعيم المعسكر َين للرأي على القومي ووزير الحرب السابق بني غانتس، كما حصل حزب الليكود في استطالع ً في االنتخابات األخيرة، في مقابل ارتفاع مقاعد المعسكر ً من أصل 32 مقعدا 20 مقعدا ً إلى 46 ،ً وهبطت مقاعد االئتالف الحكومي من 64 مقعدا ً إلى 27 مقعدا القومي من 13 مقعدا .ً وفي ،ً يقابله ارتفاع عدد مقاعد المعارضة بما فيها األحزاب العربية إلى 74 مقعدا مقعدا ً للمعارضة. ويعزى ً في مقابل 69 مقعدا استطالع آخر حصل االئتالف الحكومي على 51 مقعدا ً ارتفاع قوة االئتالف الطفيف هذا قياسا باالستطالع السابق، إلى إلغاء نتنياهو قرار إقالة غاالنت. صحيح أن استطالعات الرأي تتأرجح نتائجها بحسب تغير الظروف، إّل إنها مع ذلك غير مريحة لالئتالف الحكومي، عالوة على أن ارتفاع عدد مقاعد المعسكر القومي ونسبة ترشيح غانتس لمنصب رئيس الحكومة يشير إلى إعادة االعتبار إلى حكم الجنراالت والجيش. َرشح ّا ي ً هذه النتائج التي ظللت مناخ الحوار الجاري بين المعارضة والحكومة، فضال عم من أخبار بشأن المواقف من القضايا المختلف عليها، أديا حتى اآلن إلى إغالق الباب أمام أي اتفاق على حل وسط يرضي الطرفين. وعليه، فإن األزمة الراهنة داخل الكيان الصهيوني مرشحة لالستمرار والتفاقم، إّل إذا استطاع نتنياهو االتفاق مع بني غانتس على تشكيل ائتالف حكومي بديل يحرره من الشراكة مع أحزاب الصهيونية الدينية. غير أن نسبة نجاح هذا االحتمال تظل ضعيفة، فغانتس الذي تألق نجمه في استطالعات الرأي ال تشجعه هذه الشراكة على المقامرة بمستقبله السياسي، أو القيام بمغامرة عسكرية واسعة إلخماد التناقضات وتوجيه األنظار إلى التناقض الخارجي، ذلك بأن األنظار ستبقى مصوبة إلى غرف الحوار في انتظار تصاعد الدخان األبيض أو األسود. وعليه، فإن ما يحدث داخل الكيان الصهيوني من تحول نحو تعزيز الفاشية هو نتيجة منطقية الزمت تجارب االستعمار االستيطاني كلها، وهذه الحقيقة تعزز صدقية الراوية التاريخية الفلسطينية العربية بشأن جذور الصراع. فالحكومة الحالية هي الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، كما أن األساطير التوراتية عن األحداث التاريخية شرعت تتهاوى أمام معاول علماء اآلثار، فجزء كبير منهم يهود وأوروبيون قدموا إلى فلسطين إلثبات تاريخية األحداث التوراتية، وخرجوا بنتائج معاكسة. وهذه الحقائق كلها ً جرى توظيفها في زيادة عزلة االحتالل الدولية، وصوال إلى نزع الشرعية عن كيانه البغيض، واالستثمار في مجرى تناقضات المجتمع الصهيوني، وتوثيق العالقات مع القوى اليهودية كي ال نفقد االجتاه 011 الديمقراطية المعادية للصهيونية ومشروعها االستعماري االستيطاني العنصري، مهما يكن وزنها وثقل تأثيرها الراهن. إن معطيات الحراك الدولي الراهن، وتفاعالت األزمة داخل الكيان الصهيوني، واستمرار ّ ًا الحرب المفتوحة على شعبنا من طرف االحتالل، واتساع مقاومة شعبنا وتصاعدها كم ً ونوعا ُ ، أمور كلها تملي على قوى شعبنا السياسية واالجتماعية امتالك اإلرادة السياسية، ومضاعفة جهودها إلنجاز المصالحة وإنهاء االنقسام الذي يظلل الوضع الفلسطيني الراهن، ّ ويهدد مستقبل قضيتنا الوطنية. فعلى هذه القوى الخروج من دائرة المراوحة، وشق الطريق الستنهاض نضال شعبنا ووضعه على الطريق التي تقود إلى تحقيق أهدافه الوطنية والتاريخية، وتعريف مشروعنا الوطني بالعودة إلى جذور الصراع التاريخية كمشروع قومي وطني تحرري ضد المشروع االستعماري الصهيوني االستيطاني العنصري، وإعادة االعتبار ً إلى استراتيجيا التحرر بديال من المراهنة غير الواقعية على أوهام التسوية التي تم اختبارها خالل 30 ً عاما من انطالق مسار مدريد - أوسلو، وأنتجت الوضع المأزوم الذي تعيشه القضية ً الوطنية. وعلى هذه القوى أيضا االتفاق على استراتيجيا وطنية نضالية موحدة ترتكز على المقاومة وإنجازات نضال شعبنا في محطاته المتعاقبة، وعلى قرارات المجلس المركزي في ُقد في نيسان / دوراته المتعاقبة منذ نيسان / أبريل ،2015 وقرارات المجلس الوطني الذي ع أبريل ،2018 والتي دعت إلى فك االرتباط مع االحتالل والتحلل من التزامات اتفاق أوسلو السياسية واألمنية واالقتصادية، وسحب االعتراف بالكيان الصهيوني، والتي تم تأكيدها في ّ مخرجات اجتماع األمناء العامين في بداية سنة ،2021 وإعادة بناء البيت الفلسطيني الداخلي على أسس وطنية ديمقراطية، وتفعيل أدواته القيادية الوطنية الجامعة وفي مقدمها منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بإعادة االعتبار إلى مكانتها ككيان سياسي جامع لوحدة شعبنا وأهدافه الوطنية، وكمرجعية سياسية عليا لنضال شعبنا وجميع قواه السياسية والمجتمعية، وممثل شرعي ووحيد لشعبنا في أماكن وجوده كافة. فمهمة إنجاز المصالحة وإنهاء االنقسام ّ ال تحتاج إلى جوالت حوار جديدة تعيد إنتاج أنماط إدارة االنقسام وليس حله، بل إلى تطبيق ً من آذار / مارس 2005 ً ، وصوال إلى مخرجات ّقعت إلنجاز المصالحة بدءا ُ االتفاقات التي و ّ اجتماع األمناء العامين في سنة 2021 ّ ، والمسار الديمقراطي الذي نصت عليه المراسيم الرئاسية والجداول الزمنية إلنجاز االنتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، والتي أعيد تأكيدها في اتفاق الجزائر األخير للمصالحة الوطنية. إن التلكؤ في إنجاز هذه المهمة يملي على شعبنا واجب النضال الديمقراطي إللزام أصحاب القرار بالقيام بواجبهم الوطني، وإنجاز الوحدة الوطنية وإعالء المصلحة الوطنية العليا فوق ً المصالح الفردية والفئوية الضيقة، وتعزيز الشراكة السياسية الديمقراطية بديال من المناكفات ومفاهيم ومصطلحات إدارة االنقسام. إن الشعب هو مصدر شرعية أي نظام سياسي أو تنظيم، وذلك عبر صناديق االقتراع أو في ساحات النضال الجماهيري الديمقراطي، فالوقت من دم 012 جملة الدراسات الفلسطينية 135 صيف 2023 وال يحتمل المراوحة في المكان، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني هي حجر الزاوية في توفير الحماية العربية والدولية لشعبنا ونضاله الوطني، وهي أساس استعادة أبعاد النضال ُ القومية واألممية ومقاومة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وتوسيع إطار المقاطعة الدولية الشعبية والرسمية لالحتالل وسياساته من أجل نزع شرعية كيانه السياسي. ّل الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة إلى مناسبة وطنية وفي هذا اإلطار علينا أن نحو قومية لتعزيز مكانة الرواية العربية الفلسطينية التاريخية الثقافية والحضارية، ومحطة لتصعيد النضال والمقاومة في جميع محاور االشتباك التاريخي المفتوح مع االحتالل، الميدانية والسياسية والثقافية والقانونية، والدبلوماسية في المحافل الدولية الرسمية والشعبية، وإنجاز وحدتنا الوطنية كأساس ورافعه الستنهاض نضال شعبنا، وتحقيق أهدافه الوطنية والتاريخية. )سجن "رامون"، قسم ،٧ صحراء النقب المحتلة(